كيف اجتاح فيلم «باربي» دور العرض السينمائية في بريطانيا

«إنه جميل إلى درجة أني بكيت: المهووسون بباربي يعرضون أحكامهم على الفيلم» كان هذا عنوان صحيفة «الغارديان» البريطانية عن الفيلم الجديد الذي تم إطلاقه قبل أيام في دور العرض السينمائي في المملكة المتحدة، والذي أثار زوبعة لم تشهد مثلها الجزر البريطانية في السنوات الأخيرة.
من خلال المقال، تطلعنا «الغارديان» على شهادات بريطانيين مهوسين بهذا الإنتاج على منوال هذه الفتاة التي صاحت، «عندما شاهدت الفيلم يوم السبت، رحت أبكي، مرددة في نفسي: «أوه، يجب ألا أبكي بشدة حتى لا تلطخ الدموع مكياجي. لكنه كان رائعا». إنه الفيلم الذي انتظره البريطانيون منذ سنوات طويلة ـ طرأت تغييرات على الإنتاج وتأخر صدوره إلى منتصف هذه السنة – وها هو اليوم يخرج إلى الوجود، مثيرا ضجة وصخبا وهوسا. فما قصة باربي التي فتنت البريطانيين والعالم من حولها يا ترى؟ وما سر هذا الولع غير المسبوق بدمية باربي التي تُبعث إلى الحياة لأول مرة في شكل فتاة من جسد وروح؟

الأشهر في العالم

اللافت للانتباه في عالم باربي توقف الدمية الشهيرة عن النمو في عنفوان شبابها. فمع أنها احتفلت هذه السنة بعيد ميلادها الـ64، إلا أنها تبقى تلك الفتاة الشقراء الجميلة الخالدة التي لا تؤثر في شبابها وجمالها السنين. فقد اختار مخترعوها تجميد عمرها وإيقاف نموها عندما احتفلت الدمية بعيد ميلادها الـ19. ولدت باربي في يوم 9 مارس/آذار 1959، وهو يوم خاص في حياتها. ففي هذا اليوم قُدمت باربي للعالم في معرض الألعاب الأمريكي الدولي في مدينة نيويورك. في ذلك اليوم التاريخي، تراءت باربي للجماهير في صورة امرأة بالغة، رفيعة، ترتدي ملابس سباحة مخططة بالأبيض والأسود وكعب أسود وأقراط ذهبية ونظارات شمسية بيضاء، وكانت قامتها آنذاك 29 سم.

نجاح فوري ساحق

حققت باربي نجاحا منذ اللحظات الأولى لإطلاقها، ففي العام الافتتاحي، بيعت 300 ألف دمية بسعر 3 دولارات للدمية الواحدة. وتعدّ باربي اليوم أشهر دمية في العالم بلا منازع. وقد استطاعت هذه الدمية أن تجتاز اختبار الزمن، محتفظة بتفوقها وريادتها في عالم الدمى. فبعد مرور عقود طويلة على ميلادها، ما برحت تخطف أنظار الجماهير في كل أنحاء الدنيا، محققة أرباحا هائلة. ففي عام 2021 وحده، باعت شركة ماتيل 86 مليون دمية باربي. وها هو فيلم باربي اليوم يثير إقبالا لا مثيل له في أمريكا وبريطانيا وبلدان أخرى، محققا ما يقدر بنحو 155 مليون دولار في شباك التذاكر المحلي في افتتاح عطلة نهاية الأسبوع، متفوقا على كل الأفلام الصادرة هذه السنة! وقبل ذلك، في شباك التذاكر في أمريكا الشمالية ـ الذي يجمع الولايات المتحدة وكندا – احتلت باربي المركز الأول محققة مبيعات قياسية بلغت 155 مليون دولار من 4243 موقعا، متفوقة بذلك على فيلم الأخوان سوبر ماريو (2023) الشهير وكل الأفلام الصادرة هذه السنة ليكون هذا الإنتاج أكبر افتتاح لهذا العام.

حملة تسويقية

واليوم يتساءل كثيرون عن سر هذا النجاح الباهر الذي حققه فيلم باربي والهوس الذي استشرى لهيبه في أوساط الجماهير الذي نتج عنه توافد غير مسبوق على دور العرض ونفاد التذاكر. الأسباب متعددة، نذكر منها بالدرجة الأولى عامل التسويق. من مزايا الحملات التسويقية الناجحة قدرتها المذهلة على إحداث ضجة وإثارة فضول الجماهير، ما يزيدهم ترقبا ورغبة في المشاهدة. وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على التذاكر، وتحقيق أرباح ونجاح، وهذا ما تجسَّد فعلا من خلال هذا الإنتاج السينمائي الجديد، الذي حظي بحملة من أكبر الحملات التسويقية وأكثرها احترافا في تاريخ السينما الحديث. قالت عنها صحيفة «الغارديان» البريطانية، «لقد كانت حملة فيلم باربي بمثابة احتراف في مجال التسويق، حيث أنشأت رمزا حديثا فوريا من أيقونة عمرها ستة عقود» وها هي الحملة التسويقية تأتي بثمارها من خلال الإقبال الرهيب الملقب باسم «حمى باربي» والذي ينظر إليه بعض المتابعين على أنه مبالغ فيه. قالت عنه إحدى الصحف الغربية مؤخرا، «تعتبر حمى باربي من نواحٍ عديدة هوسا مصطنعا، بدعم من ميزانية تسويق ضخمة في هوليوود. لم يتم تأكيد إجمالي الإنفاق التسويقي لباربي، لكن ليس من غير المألوف أن تتخطى الاستوديوهات الكبيرة أكثر من 100 مليون دولار».من أسباب الإقبال على هذا الفيلم أيضا الحنين إلى سنوات الطفولة. إذ يستمتع كثير من الأشخاص بمشاهدة الأفلام لاستعادة ذكريات طفولتهم وتجارب الماضي. فبعض الأفلام يحظى بمكانة خاصة في قلوب الجماهير، لأنه كان جزءا من سنوات طفولتهم ويحمل قيمة عاطفية.

حنين إلى أيام الطفولة

من أسباب الإقبال على هذا الفيلم أيضا الحنين إلى سنوات الطفولة. إذ يستمتع كثير من الأشخاص بمشاهدة الأفلام لاستعادة ذكريات طفولتهم وتجارب الماضي. فبعض الأفلام يحظى بمكانة خاصة في قلوب الجماهير، لأنه كان جزءا من سنوات طفولتهم ويحمل قيمة عاطفية. غالبا ما ترحل هذه الأفلام بالمشاهدين إلى حقب ماضية من حياتهم، نحو أزمنة بعيدة كانت فيها الحياة أكثر بساطة وراحة، وهو ما أشارت إليه إحدى الصحف البريطانية عند حديثها عن الفيلم الجديد وولع الجماهير به، «هذه هي اللحظة التي تدرك فيها أنك لست وحدك ـ فهناك الكثير من الأشخاص الآخرين الذين يحترقون رغبة في العودة إلى صندوق ألعابهم واستعادة اللحظات التي عاشوها في غرفة نوم طفولتهم». الحنين إلى الماضي من العوامل المساعدة على خلود الدمية باربي. مثال آخر عن الأفلام المؤثرة الخالدة فيلم «الأسد الملك» (1994) وهو فيلم رسوم متحركة كلاسيكي، من إنتاج شركة ديزني، عن شبل أسد صغير يُدعى سيمبا. استطاع هذا الفيلم بفضل الموسيقى التصويرية الأيقونية والقصة العاطفية المؤثرة أن يجتاز اختبار الزمن ليبقى إلى يومنا هذا من الأفلام المفضلة الخالدة لدى كثيرين في أنحاء العالم. ومشاهدة هذا الفيلم اليوم تثير ذكريات الطفولة لدى كثير من الأشخاص الذين عاشوا لحظات صدور هذا الفيلم.

اختيارات شعبية

ما زاد حمى باربي لهبا أيضا إطلاق الفيلم الجديد مع بداية العطلة المدرسية الصيفية في بريطانيا، وهي فترة يحتاج فيها الأطفال إلى وسائل الترفيه وسد أوقات الفراغ والسينما من الفضاءات التي تحظى بشعبية كبيرة. إطلاق فيلم باربي في يوم 21 يوليو/تمّوز لم يكن من باب المصادفة لتزامنه مع موعد بداية العطلة الصيفية لهذه السنة. يلعب توقيت العرض دورا حاسما في نجاح الفيلم وزيادة أرقام شباك التذاكر، والإجازات المدرسية التي تجد فيها العائلات متسعا من الوقت، من جملة ذلك. جدير بالذكر أنّ أفلام ديزني تحظى بشعبية كبيرة لدى العائلات، وتجذب جماهير من مختلف الأعمار في جميع أنحاء العالم، والمملكة المتحدة ليست استثناءً. إذ وفقا لإحصائيات ستاتيستا، الشركة الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، فقد زاد عدد الأسر في المملكة المتحدة التي تشترك في خدمة بث «فيديو حسب الطلب» أمريكية ديزني+، زيادة قياسية في السنوات الأخيرة، حيث تجاوز سبعة ملايين زبون في الربع الرابع من عام 2022. وفيلم باربي الذي احتل واجهات الصحف البريطانية وتردد الحديث عنه طويلا يبدو اختيارا شعبيا بلا منازع.
وتستمر حمى باربي

وهكذا تعود باربي إلى الحياة بعد عقود من ولادتها، وهي تنعم بشبابها الأبدي. وها هي باربي تعود إلينا اليوم – ليس في صورتها الكرتونية المعهودة، ولا في شكلها البلاستيكي المعروف كدمية – وإنما في شكل امرأة من لحم ودم، تجسدها الممثلة الفاتنة المرشحة لجائزة الأوسكار، أسترالية المولد، مارغوت روبي، البالغة من العمر 33 عاما، والمتزوجة من منتج الأفلام البريطاني المعروف توم أكرلي منذ عام 2016. وتعود باربي إلى الحياة في أكبر حملة تسويقية يشهدها عالم السينما، لم تتوقف عند حد المقطورات ولقطات من وراء الكواليس ومقابلات مع نجوم السينما، وطاقم العمل والبيانات الصحافية وغيرها. فقد امتدت لتشمل وسائل النقل في المدن البريطانية ومنها العاصمة، حيث أضفت على حافلات لندن المميزة وسيارات الأجرة السوداء لونا ورديا يجذب الأنظار. ويستمر هذه الأيام توافد الجماهير على دور العرض في كامل أرجاء المملكة المتحدة، مع استمرار نفاد التذاكر في بعضها، بمشاركة بناتنا وبنات جالياتنا العربية، يرتدين فيه لباس باربي الوردي، وكل واحدة منهن تريد أن تلتقي باربي، وأن تشاهد باربي، وأن تكون باربي، وأن تحيا فانتازيا عالم باربي ولو لحين.

‏كاتب جزائري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى