” لحراطين والملكية العقارية”
إحاطة
يعرّف القانون رقم، 014-2017 ، المتضمن مدونة الحقوق العينية، العقارَ بأنه “كل شيء ثابت لا يمكن نقله دون أن يتضرر”. وقد قسم الأملاك العقارية إلى أملاك بالطبيعة أو بالتخصيص أو الغرض المطبقة عليه، وقد تضمن هذا التعريف الأراضي والبنايات والنباتات (المادة 2).
فيما عرّف الملكية بأنها ” الحق الحصري الذي يخول صاحبَه، وبشكل مستمر ، استعمال واستغلال الأشياء والتصرف فيها ” (المادة 8).
إلا أن القانونيين يميزون بين العقار ومفهوم الملكية العقارية، عل اعتبار أن الأخير محصور في توزيع الأراضي العمومية على الأفراد، خاصة الملكية الجماعية المتعلقة بالمجموعات ذات الأصل أو الروابط المشتركة.
من هذا المنطلق يطرح موضوع الملكية العقارية إشكالية تمثل أحد أكبر مظاهر الظلم التي تعرض لها لحراطين.
المراحل التي مرت بها الملكية العقارية للأراضي الزراعية قبل و أثناء قيام الدولة الموريتانية
– الملكية العقارية في ظل سلطة القبيلة : لقد انعدم النفاذ العادل للملكية العقارية بالمفهوم المتداول في ظل هرمية القبيلة القائمة على أساس طبقي وفئوي، يستند إلى حق من هم في القمة في التملك على حساب البقية من طبقات المجتمع، وعلى رأسهم لحراطين.
– الملكية العقارية في ظل الاستعمار : لقد سعى المستعمر الفرنسي إلى مغازلة القوى التقليدية لضمان ولائها، و في المقابل انتهج لها سياسة المحافظة على الامتيازات القديمة لكي يمكنها من رقاب عمال الأرض.
-الملكية العقارية في ظل سلطة الدولة المستقلة:
لقد ورثت الدولة الموريتانية هذه التركة الثقيلة، و لم تظهر إرادة حكومية جادة لرفع الظلم، و طغى العرف القبلي على الحق القانوني . و تحت ضغط حركة الحر (نهاية السبعينيات)، ظهر أول أمر قانوني يضع حدا لملكية الجماعات و يعيد الحق في الملكية العقارية للدولة الأمة . لكن ذلك القانون – نتيجة تعارضه مع مصالح القبائل- لم يطبق على أرض الواقع، فبقي حبرا على ورق.
لقد نص الأمر القانوني رقم 23-127 ، الصادر بتاريخ 1983، المتضمن القانون العقاري، والمرسوم 90-020 ، الصادر بتاريخ 31-1-1990 ، المطبق للقانون في مادته الأولى، على أن “الأرض ملك للأمة، ويحق لكل موريتاني، بدون أي تمييز، أن يصبح مالكا لجزء منها طبقا للقانون” ، فيما نصت المادة الثانية منه على أن “الدولة تعترف بالملكية العقارية الخاصة وتصونها، على أن تحترم هذه الملكية روح التشريع الإسلامي، وتساهم في نمو البلاد اقتصاديا واجتماعيا” ، ونصت المادة الثالثة من نفس الأمر القانوني على أن “النظام التقليدي لحيازة الأرض أصبح لاغيا”.
فيما ذهب نص مرسوم القانون رقم 2000-089 الصادر بتاريخ 17 يوليو 2000 ، الذي يلغي ويحل محل المرسوم رقم 90- 020 الصادر بتاريخ 31 يناير 1990 ، المطبق للأمر القانوني رقم 83- 127 الصادر بتاريخ 5 يونيو 1983 ، القاضي بإعادة التنظيم العقاري في مادته الثانية ، أبعد من ذلك ، إذ يشير إلى أن الأراضي “تعتبر جزءا من أملاك الخواص”. بهذه الصفة يحمي الأراضي التي تم إحياؤها من قبل الأشخاص الخصوصيين طبقا لأمر القانون رقم 38- 127 الصادر بتاريخ 5 يونيو 1983 ولترتيبات هذا القانون”.
في هذا السياق يتنزل الموضوع المطروح، الموسوم بـ” لحراطين والملكية العقارية”.
لا شك أن لحراطين من المجتمعات التي تندرج في إطار خصوصيتها ممارسة الزراعة، واستصلاح الأرض وإعمارها على مر تاريخ وجودهم في هذه البلاد.
وعلى الرغم من أن لحراطين، الموجودين في المناطق الزراعية والرعوية والواحاتية، هم عمال الأرض ،وهم المنتجون، إلا أن هذه الأراضي مسجلة عقاريا باسم القبائل على أساس أنها ملك جماعي يخضع لتقسيم العمل تقليديا.
و عندما بدأ الحراك الانعتاقي، في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، واجهته الدولة بسياسة العصا ، من جهة، (فسجنت قادة الحراك ونكلت بهم وأرهبتهم في محاكمة روصو سنة 1980)، والجزرة ،من جهة أخرى، إذ ألغت العبودية من خلال الأمر القانوني رقم 274-83 ، وأصدرت قانون النظام العقاري رقم 23-127 و فتحت باب التعليم.
فأشار القانون العقاري المذكور، بشيء من الاستحياء، إلى حق لحراطين في الملكية بوصفهم من بين” الذين ساهموا في إحياء الأرض، ” ، لكن ذلك القانون تم تعطيله بضغط من القوى الرجعية، واستمر العمل بالملكية التقليدية للأراضي الزراعية، الشيء الذي ساهم في استمرار العبودية بكافة أشكالها و صورها، وعطل كل الحلول التي كانت متوخاة منه.
و بذريعة المحافظة على السكينة و السلم ، تبيّن أن الدولة تحمي تلك الملكية التقليدية على حساب لحراطين، وهي جاهزة، على الدوام، لردعهم ومعاقبتهم كلما حاولوا رفض ذلك الواقع المعيش، كما مكنت الاقطاعيين (من مشيخات وعمد وحكام وأغنياء ) من التحكم التام في رقاب لحراطين و العبث بحقوقهم.
لقد لقد تركز النقاش حول النقاط التالية :
١- القانون العقارى: الإيجابيات والسلبيات (الثغرات الملاحظة فى القانون رقم ( 23-127 (
٢- الملكية العقارية، القبيلة ولحراطين
٣- النزاعات العقارية بين لحراطين والقبيلة :(أحداث وقعت فى مناطق مختلفة من الوطن)
٤– لحراطين والملكية العقارية فى المناطق الزراعية المروية، والمطرية، والفيضية، وتحت الواحات
٥- الولوح للقروض الزراعية.
1- بخصوص القانون العقارى:
تطرق المتدخلون لإشكالية تماهى هذا القانون مع المصالح القبلية وضبابية مقتضياته، إضافة إلى عجز السلطات القضائية والإدارية وتمالؤها فى بعض الأحيان، عندما يحصل نزاع بين لحراطين و المجموعات التقليدية، خاصة إذا رفض لحراطين الاصطفاف السياسي مع القبيلة.
وقد خلص المتدخلون إلى ضرورة تطبيق القانون وسد بعض الثغرات الموجودة فيه، والعمل على خلق رأى عام ضاغط لتحقيق التغيرات المطلوبة.
2- الملكية العقارية.. والقبيلة:
ما هي حظوظ لحراطين في الملكية العقارية، داخل القبيلة ؟ و هل يمكن للحراطين داخل القبيلة أن يحصلوا على حقهم في الملكية العقارية؟ أم أن ذلك الحق مختزل و مرتبط بزوال التراتبية في القبيل، والذي يعني زوال القبيلة نفسها؟ فالقبيلة غير قابلة للتحيين، و العالم المتقدم شاهد على أن القبيلة كيان متقادم يقوى إذا ضعفت الدولة و يضعف إذا كانت الدولة قوية. تلك هي أهم الاستشكالات التي تعرض لها المتدخلون، ينضاف إليها حقوق الطبقات المطحونة التي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال دولة قوية تقضي على الأنساق والصور النمطية القديمة من تراتبية وقبلية ونظرة تقليدية.
3 النزعات العقارية بين لحراطين والقبيلة:
هنالك نماذج من الأحداث والوقائع ذات الصلة، نشبت بين لحراطين والقبيلة، كانت بمثابة الاختبار الحقيقي لمدى وجود الدولة ككيان، وحجم تأثير مؤسساتها القضائية والإدارية والأمنية. وقد أظهرت تلك الأحداث، بجلاء منقطع النظير، مدى ارتهان وانصياع الدولة وأجهزتها للقبيلة. فالحرطاني مجرد مستغِل للأرض، وعليه ، انطلاقا من تلك الوضعية غير القابلة للزوال، تقاسم المنتوج مع ملاكها. وفي سبيل ذلك، لابد من الانسجام والخنوع لإرادة القبيلة وإلا قد يجد نفسه مطرودا من الأرض، ولربما وجد نفسه محاصرا في عيشه من خارجها، ومهددا في سلامته النفسية والبدنية، مما يستدعي، بالضرورة وعلى وجه الإلحاح والاستعجال، تعزيز دور دولة المواطنة، ودولة القانون والعدالة الاجتماعية التي يحظى فيها المواطن بكامل حقوقه بما فى ذلك الولوج للملكية العقارية وجميع الحقوق الأخرى.
4- لحراطين والملكية العقارية في المناطق الزراعيه المروية، والمطرية،و الفيضية وتحت الواحات:
تحيل هذه العناوين إلى خصوصية كل منطقة على حدة، وما يعانيه لحراطين من مصاعب تحول بينهم والملكية العقارية، ففى المناطق المروية، تحوّل لحراطين إلى عمال يدويين فى الأراضى التى كانت ملكا لأسلافهم بفعل منحها عنوة لرجال أعمال مصطنعين، ولمستثمرين موريتانيين وأجانب، و تم حرمان لحراطين من التسهيلات المتعلقة بالسندات القانونية للملكية العقارية والولوج للقروض.
وفى المناطق المطرية والفيضية، يعانى لحراطين من الحرمان والمضايقة المستمرة، لأن القبيلة والأسر النافذة فيها تدّعي ملكية الأرض، والحراطين المستغِلين للأرض، مرغمين على تقاسم منتوجها مع الجهات القبلية والأسرية، وحتى وإن استثمرت الدولة في تهيئة الأرض و حبس المياه ،فإن الأحقية تبقى للملاك الأصليين من البيظان ( اغليك أهل سيد المخطار ، اغليك أهل آده، اغليك أهل بَيّه، اغليك مال …).
5- حرمان لحرطين من الولوج للتسهيلات:
لقد تم حرمان لحراطين من القروض الزراعية والسندات القانونية للملكية العقارية، بل إن الدولة غالطتهم حين أقنعتهم بأنهم غير قادرين على الاستثمار، و يجب عليهم قبول التنازل عنها لصالح من هم أقدر ماديا، غير أن الدولة عمدت إلى خلق مستثمرين جدد، قسمت عليهم القروض، وإذا هم بددوها أو اختلسوها، يتم عفوها و تجديدها بطرق أقل ما يقال عنها أنها تمييزية ظالمة.
في الوقت ذاته ، عمدت الدولة إلى وضع العراقيل والكوابح العديدة أمام لحراطين لكي تحرمهم من الولوج للملكية العقارية مع حرمانهم من القروض.
في هذا السياق ، خلصت المداخلات إلى ضرورة العمل على إيجاد حلول لهذه العوائق من خلال استخدام كافة الوسائل المتاحة قانونيا من أجل الضغط على الحكومة في سبيل حصول هذه المكونة على الحق في الملكية العقارية للأراضي الزراعية، لأن ملكية الأرض تضمن الحق في القرض، كما خلصت إلى أنه من الواجب على الدولة والمجتمع إعادة توزيع الأراضي الزراعية بما يضمن المصالحة بين مكونات المجتمع.
وأعطت المداخلات كنموذج، التوزيع المتبع في الحوض الشرقي، و في بحيرة اركيز، وفي الششية وفى جدر المحگن، الذي يعتمد في التقسيم عدد النسمات في المجموعة الاجتماعية دون تمييز، في انتظار تفعيل القانون العقاري الذي يعيد ملكية الارض للأمة/ الدولة التي يجب أن تعطيها لكل مواطن رغب في الاستثمار بطرق شفافة وموضوعية بعيدة عن التأثير القبلي التقليدي وعن الزبونية.
توصيات:
لقد خلصت المداخلات في ختام هذا النقاش إلى التوصيات التالية:
1- تفعيل القانون العقاري خاصة فى مقتضياته المتعلقة بمنطق “الأرض لمن أحياها”، مع التنويه إلى ضرورة مراجعة بعض مواد هذا القانون، بالإضافة لضرورة تشبث لحراطين بملكية هذه الأراضي من خلال المبررات التقليدية التي على أساسها يشرعن لغيرهم ملكيتها : السكن، الاستغلال، الأسبقية، الحاجة…
2-وضع نظام تشريعي قائم على التمييز الإيجابي لصالح سكان الأرض الأصليين مع تسهيل القروض الزراعية للمزارعين الميدانيين البسطاء عن طريق تآزر ومشروع الواحات.
3- تكوين مؤطرين و فنيين زراعيين و بيطريين من أبناء” آدوابه ” وتوفير وسائل الحفظ والتخزين ودعم تسويق المنتوج الزراعى.
4-توفير المدخلات والمكننة الزراعية فى المناطق المطرية والفيضية، و استخدام السدود و المياه الجوفية لزراعة الأسماك واستثمارها.
5- استحداث سياسة عقارية منصفة في الريف و الحضر و فض، عاجل وصارم و نهائي، للنزاعات العقارية الناتجة عن القوانين العرفية الظالمة.
صادر عن: اجماعة أدباي*
• وهي مجموعة واتسابية تضم معظم قادة الرأي من أكادميين وسياسيين وحقوقيين من مكونة لحراطين.