مسلسل “ملفات منسية” يخرج الدراما الكويتية من التنميط والتكرار

جاء مسلسل “ملفات منسية” ليؤكد أن الدراما الكويتية قادرة على الخروج من دائرة التكرار، بطرح مواضيع جاذبة للجمهور، تحترم الضوابط الاجتماعية رغم أنها تطرح قضايا بشكل جريء. وهو ما يعزز الموقف القائل بأن الجرأة في الطرح لا تعني الاستهتار بعادات المجتمع وقواعده.

اتخذت الدراما الكويتية مسارا محددا في أعمالها لم تحدْ عنه أبدا، لتغدو سمة غالبة عليها من خلال المواضيع والقضايا الاجتماعية التي طرقتها.

إلا أن هذه المواضيع غدت مستهلكة، وبات المشاهد قادرا على أن يتنبأ بسير الأحداث مسبقا، فالتنويع قد افتقدته هذه الدراما، والقضايا الاجتماعية باتت القيد الذي لم تستطع الدراما الكويتية الفكاك منه.

العلاقات الأسرية والزواج والطلاق والخيانة كلها مواضيع متشابهة تجدها في أي عمل كويتي ولا نغالي إن قلنا في الدراما الخليجية بشكل عام، وهذا ما جعل صناع الدراما في الكويت أمام تحديات كبيرة في محاولة لتجاوز هذه الحالة والانعتاق من أسر هذا الأسلوب المتكرر والخروج إلى أفق أرحب، وجعل الدراما الكويتية تسير بالتوازي مع أختيْها، أعني الدراما السورية والمصرية.

وقد وعى منتجو ومخرجو الدراما الكويتية هذا الأمر، لذلك قدموا لنا أعمالا كانت في ظنهم ذات منحى مغاير، إلا أننا لم نجد هذا التغاير إلا من حيث الجرأة التي جلبت عليهم سخطا جماهيريا وعرضتهم للمساءلة. فالاصطدام بقيم المجتمع لن يخرج الدراما من التنميط والتكرار.

ا

ولعل الطرح الجدي لمشكلات المجتمع لا يعني بأي شكل من الأشكال الجرأة المخالفة للآداب العامة وتجاوز المحاذير الاجتماعية كما حدث في مسلسل “زوجة واحدة لا تكفي” الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، إذ إنه أثار سخط الكويتيين، فقد اعتبروه مساسا بكرامتهم مؤكدين أن العمل لا يمكن بأي حال أن يكون ممثلا للمجتمع الكويتي أو المجتمعات الخليجية، ومع الضجة التي أحدثها هذا العمل يبقى في حد ذاته تكرارا لتجارب أخرى من القضايا الاجتماعية.

ويجمع مسلسل “زوجة واحدة لا تكفي” عددا من الممثلين من الكويت ومصر، من أبرزهم الممثلة هدى حسين، والممثل المصري ماجد المصري، والممثلة المصرية آيتن عامر.

إن ما نسعى لقوله أنه على الدراما الكويتية أن تعمل على استعادة ألقها المعهود وتجدد نفسها، وهذا يحتم على الكُتاب ألا يحصروا أنفسهم في زاوية واحدة فقط، فالباب مادام مفتوحا ومازال مواربا للولوج إلى موضوعات أخرى تثير فينا الشغف من جديد، فلماذا هذا الانكفاء وراء هذه المواضيع المكررة وعدم الرغبة في الحياد عنها، رغم أن الساحة الخليجية لا تنقصها الأدوات فهي عامرة بمواهب عدة من حيث الكتّاب والمخرجين والفنانين.

ومع ذلك، فإن هذه الحال التي تعيشها الدراما الكويتية ليست قاعدة عامة، إذ هناك استثناءات لا يمكن التغافل عنها، فعلى سبيل المثال مسلسل “ملفات منسية” الذي يدور حول الغموض والجريمة هو حقا من الأعمال التي يمكن اعتبارها ضمن المواضيع التي خلعت عباءة التنميط والمعتاد.

الطرح الجدي لمشكلات المجتمع لا يعني بأي شكل من الأشكال الجرأة المخالفة للآداب العامة وتجاوز المحاذير الاجتماعية

وهذا ما أكده كاتب العمل بقوله “سكبنا القصة ضمن أجواء درامية بوليسية، من خلال مُحقِّقة تتوغّل بين الأسر لتتعرّف إلى أسرار ساكنيها، وهذا النوع من الدراما غير رائج، ولم نره كثيرا، كما أحببتُ أن يكون أول عمل يجمعني والفنانة شجون بقصة جديدة وثوب جديد”.

المسلسل تدور أحداثه في حقبة السبعينات من القرن الماضي، والقصة مستوحاة من جرائم اختطاف الفتيات التي وقعت في الكويت خلال فترتي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، وهذه الظاهرة للأسف مازالت تتكرر حتى يومنا هذا.

ويسلط المسلسل الضوء على دور رجال الشرطة في حل لغز حوادث الاختفاء في ظروف غامضة.

فتحية تذكرنا بشخوص أصحاب المقامات في العصر العباسي الذين عُرفوا بالاحتيال مع قدرتهم على السخرية والإضحاك
فتحية تذكرنا بشخوص أصحاب المقامات في العصر العباسي الذين عُرفوا بالاحتيال مع قدرتهم على السخرية والإضحاك
ونال هذا العمل جماهيرية واسعة، إذ اعتمد التشويق والإثارة من خلال حبكة درامية قوية ساهمت في صعوبة معرفة المجرم من الحلقة الأولى حتى نهاية حلقاته.

فالمشاهد يبقى في شكوك دائمة حلقة تلو الأخرى محاطا بجوٍّ من الريبة والشك تجاه كل سكان العمارة.

ومما يحسب للمخرج مناف عبدال حُسْن اختياره شخصيات العمل ولاسيما الفنانة مرام البلوشي التي جسدت شخصية فتحية في خط كوميدي رائع، إذ كانت من حسن طالع هذا العمل فقد شكلت مادة دسمة من الكوميديا بما امتلكته من خفة الظل.

وكانت متعة الإضحاك مع فتحية حاضرة في كل الحلقات لتخفف من وطأة أحداث العمل المليئة بالغموض والخوف في البحث عن الجناة مرتكبي هذه الجرائم، فهي حتى في تعاملها مع الجيران كان سلوكها مليئا بالجمل والعبارات المضحكة .

هذه الشخصية تذكرنا بشخوص أصحاب المقامات في العصر العباسي الذين عُرفوا بالاحتيال مع قدرتهم على السخرية والإضحاك كما في شخصية عيسى بن هشام في مقامات بديع الزمان الهمذاني.

فتحية التي اعتادت على أعمال النصب والاحتيال متبعة أسلوب الدجل والشعوذة للإيقاع بالنسوة اللواتي يأتينها بعد أن يتم إقناعهن بأنها تمتلك قدرة كبيرة خارقة على إتلاف الأعمال السحرية، ولكن كل ذلك بغرض سرقتهن في النهاية.

لقد تمت الإشادة بهذا العمل من قبل النقاد والجمهور، وقد نال تقييمات إيجابية من حيث الإخراج والقصة والتمثيل ليشكل حالة خاصة خارجة عن المألوف في خط مغاير للدراما الكويتية.

وفي النهاية على الدراما الكويتية أن تسعى للخروج من قفص التكرار ونقول أيضا إن الإيمان لم يتوقف بقدرات فناني الكويت ومخرجيها وكتّابها على التجديد والتنويع والمنافسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى